الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إله الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرضيين، والحمد لله الذي شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته، وأقرت له بالألوهية جميع مصنوعاته، سبحان من سبحت له السموات وأملاكها، والنجوم وأفلاكها، والأرضون وسكانها ن والبحار وحيتانها، والنجوم، والجبال، والشجر، والدواب، والآكام، والرمال، وكل رطب، ويابس، وكل حي، وميت تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولاكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً.
= {مالكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا}، أخرج الطبري عن مجاهد في قوله وقارا أي عظمة، وفي رواية لا ترون لله عظمة، وفي أخرى كانوا لا يبالون عظمة الله، وفي أخرى لا تبالون عظمة الله.
وأخرج عن ابن عباس: مالكم لا تعظمون الله حق عظمته، وفي أخرى مالكم لا تعلمون لله عظمة.
وساق الطبري أقوالاً أخرى ثم قال: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معنى ذلك مالكم لا تخافون لله عظمة.
وقال الألوسي: أي سبب حصل لكم حال كونكم غير خائفين، أو غير معتقدين لله تعالى عظمة موجبة، لتعظيمه سبحانه بالإيمان به جل شأنه والطاعة له تعالى: {وقد خلقكم أطوار} أي والحال أنكم على حال منافية لما أنتم عليه بالكلية وهو أنكم تعلمون أنه عز وجل خلقكم مدرجا لكم في حالات عناصر ثم أغذية ثم أخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحوما ثم خلقا آخر فإن التقصير في توقير من هذا شأنه في القدرة القاهرة والإحسان التام مع العمل بذلك مما لا يكاد يصدر عن العاقل
وقال تعالى:{وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون*وهذا كتاب أنزلنا مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين لا يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون} [الأنعام:91-92]
قال ابن جرير أي: ما أجلوا الله حق إجلاله وما عظموه حق تعظيمه، وقال: من لم يعلم أن الله على كل شيء قدير لم يقدر الله حق قدره.
قال تعالى في سورة الحج:{ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز} [الحج:74]
قال تعالى: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} [الزمر:67] أي ما عظموه حق تعظيمه وما عرفوه حق معرفته.
أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والدار قطني في الأسماء والصفات عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يحمل السماوات يوم القيامة على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة}.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقبض الله الأرض بيمينه ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض».
وروى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول:أنا الملك، أنا الجبار، أين المتكبرون ثم يطوي الأرضين السبع ثم يأخذهن بشماله ثم يقول: أنا الملك، أنا الجبار، أين المتكبرون».
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري مسلم والنسائي وابن جرير وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} [الزمر:67] ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هكذا بيده ويحركها يقبل بها ويدبر، يمجد الرب نفسه أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك أنا الكريم» فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا ليخرن به.
1= فمن عصى الله وخالف أمره لم يقدر الله حق قدره، الربا، الغناء، قال بلال بن سعد: لا تنظر إلى صغر المعصية، وانظر إلى عظمة من عصيت.
2= ومن ظن إنهزام الإسلام أمام قوة الغرب، ما قدر الله حق قدره.
3= ومن ظن أن الظلمة والطغاة يستطيعون أن يطفؤا نور الله بأفواههم، لم يقدر الله حق قدره.
4= ومن يأس من إنتصار الإسلام وغلبة المسلمين، ما قدر الله حق قدره.
5= ومن ظن أن الله لا ينصر عباده المؤمنين أبدا فما قدر الله حق قدر.
6= ومن نفى عن الله صفاته التي تليق به، ما قدر الله حق قدره.
7= ومن شبه الله بخلقه، ما قدر الله حق قدره.
8= ومن جعل رمزا يخافه، أو يخشاه من دون الله، أو إمتلأ قلبه من خوف المخلوقين، أو ترك بعض الصالحات خوفا منهم، أو عمل بعض المنهيات خوفاً منهم، أو رجاء فيما عندهم، ما قدر الله حق قدره. قال تعالى: {فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين} [آل عمران:175]، وقال تعالى: {فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:13].
9= ومن إتخذا رمزا يرجوه من دون الله، ما قدر الله حق قدره، قال تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف:110].
10= ومن دعا غير الله وطلب منه الشفاعة أو تفريج الكروب، ما قدر الله حق قدره، قال الله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} [الجن:13]، وقال تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [غافر:60]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة»، وكيف يستجير أو يستعين عاقل برجل ميت لو كان يملك لنفسه شيئا ما مات، وهل هذا الولي أو الرجل الصالح أعظم من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ما وطأ الثرى وأظلت السماء على خير منه وقال قال الله تعالى عنه آمرا أن يبلغ أمته ذلك: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} [الأعراف:188]، {قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا*قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا} [الجن: 21-22] فإذا كان رسول الله لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا يجيره من الله أحد أفيعتقد بأحد بعده النفع والضر حاشا لمسلم أن يعتقد ذلك.
وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس:18] هذا عمل المشركين مع أصنامهم.
وقال عنهم أيضا: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} [الزمر:3]
وبين الله ضعف جميع من يدعى من دون الله فقال: {والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون} [الأعراف:197]، فإذا كان الله يقول إنهم لا يستطيعون أن ينصروكم بل ولا ينصروا حتى أنفسهم، أفيصدق المسلم العاقل أنهم ينصرون من دون الله من قال ذلك فقد كذب الله تعالى ومن كذب الله فقد كفر وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم فإذا كان سيد الرسل وسيد ولد آدم الذي إليه الشفاعة في الموقف العظيم يوم القيامة والناس كلهم جميعا تحت لوائه حتى الأنبياء والمرسلين لعظم جاهه ورفعة درجته وعلو منزلته ومع ذلك لا يملك لأقاربه شيئا، أما علمت ماذا قال صلى الله عليه وسلم لما صعد الصفا لقد وضح عليه السلام أن البقاع لا تزكي أحدا، وأن الأنساب لا تنفع أحداً، كما رواه البخاري في صحيحة عن ابن عباس وأبي هريرة قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله وأنذر عشيرتك الأقربين قال: «يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا»، فإذا كان صلى الله عليه وسلم لا يغني عن عمه ولاعن عمته بل ولاعن بنته شيئا فكيف بغيرهم فإنتبه أخي الكريم.
11= ومن أطاع العلماء أو الأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله، ما قدر الله حق قدره.
12= من إستعان بأحد غير الله في قضاء حوائجه أو إستغاث به أو ذبح له، فما قدر الله حق قدره.
13= من هجر كلام الله فلم يقرأه أو لم يحكمه أو لم يعمل به لم يقدر الله حق قدره.
14= من أخفى وكتم شيئاً من دين الله ما قدر الله حق قدره، {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أو توا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون} [آل عمران:187]
15= من افترى على الله كذبا ما قدر الله حق قدره.
16= من ساوى بين حكم الله وحكم الجاهلية ما قدر الله حق قدره.
17= ومن أحدث حدثا أو إبتدع بدعة في دين الله فما قدر الله حق قدره، حيث ظن أن الله لم يكمل لنا هذا الدين وأنه بحاجة إلى زيادة مع أن الله تعالى قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة:3] قال شيخ الإسلام: إحداث أعياد وإحتفالات لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مثل: الموالد وإحياء بعض ليالي مخصوصة كليلة النصف من شعبان، أو ليلة المعراج وأحداث صلوات لم يشرعها الله ورسوله، كصلاة الرغائب.
18= ومن توكل على غير الله في أعماله وظن أنها تنفع، أو تضر من دون الله، واطمأن إليها في معاشه فما قدر الله حق قدره.
والتوكل هو صدق التفويض، والإعتماد على الله في جميع الأمور، وإظهار العجز والإستسلام له، والدليل قوله تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} [المائدة:23] {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق:3] ومن كان الله كافيه، فلا مطمع لأحد فيه.
19= ومن سخر من الصالحين أو عاداهم أو كاد لهم، أو اتهم بالباطل فما قدر الله حق قدره.
الكاتب: د. يحي إبراهيم اليحي.
المصدر: شبكة مشكاة الإسلامية.